يا ليتنى ما سألت عن أم ماجد. صدق الله تعالى حين قال لنا: «لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم». اتضح أن أم ماجد التى تحدثت عنها (الأهرام) لم تكن كما نُشر بدوية رقيقة القلب قررت أن تطمئن على صحة الرئيس المخلوع مبارك وتبكى فى حضرته، بل كانت عرافة طلبها مبارك خصيصا لكى تقرأ له البخت، ويقال والعهدة على الراوى إنها سبق أن تعاملت معه فى أكثر من مناسبة قبل خلعه.
الراوى شخصية محترمة أثق فيها بنفس القدر الذى أثق أنك ستتشكك فى كلامى الذى أنقله عنه، وهو لكى يزيل شكى فى كلامه، استشهد بالكتاب التذكارى المصور الذى أصدره (الأهرام) ذات نفسه عن مبارك فى عهد إبراهيم نافع، وهو موجود فى المكتبات العامة لمن أراد، لأنك لن تجد مكتبات الأهرام حريصة على بيعه الآن، بداخل الكتاب ستجد قصة يرويها أحد رفاق مبارك القدامى هو السيد أحمد عرفة حول أول علاقة لمبارك مع العرافين، كان ذلك فى السودان عام 1959 حينما كان مبارك ضابطا هناك، والتقى بعراف سودانى تنبـأ له بأنه سيصبح رئيسا لمصر، لكن مبارك الذى لم يكن يمتلك أى طموح سياسى أكثر من رغبته فى أن يكون سفيرا فى لندن بلد الإكسلانسات لم يأخذ الأمر بجدية، وربما جعله ذلك العراف يتعامل مع جميع العرافين والمنجمين باستخفاف شديد، إلى أن وجد نفسه رئيسا للبلد الذى شهد انبعاث فجر الضمير الإنسانى، فعادت ثقته فى العرافين ثانية.
يروى لى الشخص المحترم واقعة يتداولها المقربون من مبارك ليكشفوا كيف دفعت مصر الكثير نتيجة لإيمان مبارك بالعرافين، كان ذلك فى عام 1982 أو ما حوله، وكان مبارك فى باريس حين أحضر له الدكتور بطرس غالى منجمة فرنسية كانت شهيرة فى أوساط الدبلوماسيين، وكان ذلك بحضور الكاتب الكبير أنيس منصور، كما يقول الراوى. قالت المنجمة لمبارك ضمن نبوءات أخرى كثيرة «ستموت فى السنة التى تعين فيها نائبا لك»، ويقسم لى الشخص المحترم أن هذا دون غيره كان السبب الوحيد الذى جعل مبارك يرفض طيلة الثلاثين عاماً الماضية تعيين نائب له، وأنه حتى عندما طرح عليه المقربون منه فكرة تعيين ابنه جمال نائبا له رفضها بقوة، واختار فكرة أن يأتى جمال من داخل الحزب الوطنى كمرشح رئاسى للحزب فى الوقت الذى تخف فيه ضغوط المؤسسة العسكرية الرافضة للتوريث. أخذت أضرب كفاً بكف وأنا أتأمل تلك الواقعة، حاولت الاتصال بالأستاذ أنيس لكننى لم أتمكن من الوصول إليه للأسف الشديد، وأنا أتمنى أن نقرأ له تعليقا على تلك الواقعة وهل كان فعلا شاهدا عليها أم لا، أتمنى أن نسمع تعقيبا من الدكتور بطرس غالى أو من أحد المحيطين السابقين بالرئيس المخلوع، بالمناسبة أتمنى أن يقوم الأستاذ أنيس منصور بالإفراج الفورى عن أسراره التى كان يحجبها وجود مبارك فى السلطة، خصوصا تلك الشرائط التى قال مرارا وتكرارا إنه سجلها للرئيس الأسبق أنور السادات وتحتوى على أسرار خطيرة، وأنه رفعها إلى مبارك لكى يحصل على إذن بنشرها، ويبدو أن الإذن لم يأته أبداً لأسباب حان أوان كشفها.
أتمنى أن يقول لنا أحد المقربين من مبارك هل كانت الزيارة المفاجئة التى قام بها إلى السنغال منذ سنوات حقا من أجل اللقاء بعراف شهير يذهب إليه العديد من رؤساء الدول، وهل كان لدى مبارك فعلا غرام بالعرافين والمنجمين؟، وهو أمر سبقه إليه العديد من الرؤساء والسياسيين، أنا شخصيا أصدق ذلك ليس فقط فى ظل الرواية التى نشرت فى كتاب الأهرام، ولم ينفها مبارك فى حينه، ولكن لأن الطريقة العشوائية المتخبطة العنيدة التى أدار بها مبارك مصر طيلة الثلاثين عاما هى التى تجعلنى أصدق ذلك وأجد فيه تفسيرا لمهازل كثيرة حدثت فى مصر. يبقى أن أقول لك إننى تأكدت من مصدر داخل الأهرام أن الخبر الذى بعث به مراسلا الأهرام من سيناء كان يحتوى على تفصيلة تقول إن أم ماجد عرافة فعلا، لكن ربما رأى بعض مسؤولى النشر أن نشر تلك التفصيلة لا يليق بوقار الأهرام، خاصة أن السيدة لم تدل للمراسلين بأى تفصيلات حول ما دار بينها وبين الرئيس، ولذلك قرروا نشر الخبر دون تلك التفصيلة، وكان هذا خطأ بالغاً، لأن القارئ تصور أنه خبر يهدف لاستثارة عطف القارئ على الرئيس المخلوع فى هذا الوقت الحساس الذى ينتظر الناس فيه أن يروه ماثلا أمام العدالة، راجع تعليقات قراء الأهرام على الخبر فى موقعه لتتأكد من ذلك، بالمناسبة لم أتلق حتى الآن إجابة على أهم سؤال طرحته «فين ماجد؟ وما موقفه من كل ما حدث؟».
ـ تلقيت رسالة مؤلمة ومهمة من الصديق الكاتب محمد فتحى، أعتقد أنك ستذهل عندما تقرأها مثلما ذهلت، لكن المهم ألا تكتفى بالذهولبل تبادر للحركة فور قراءتك لها. يقول محمد فتحى فى رسالته « لا أعرف يقيناً هل سيتغير شىء بعد هذه الرسالة أم لا لكننى مؤمن بأنه (يجب) أن يحدث شىء. أى شىء لبطل السطور القادمة. بالأمس كنت ضيفاً على حفل توقيع رواية للصديق محمد سامى البوهى. حضرت متأخراً قليلاً وكان أحدهم يجلس بجانب محمد ويتحدث حديثاً غريباً. للوهلة الأولى ظننته أحد أبطال حرب أكتوبر حيث كان يتحدث عن عملية حربية، لكن صغر سن المتحدث نسبياً جعلنى أستبعد كونه أحد أبطال أكتوبر المنسيين، وما أكثرهم. بعد قليل كنت مشدوهاً للتفاصيل التى أسمعها بصحبة ما يقرب من ثلاثين قارئاً حضروا حفل التوقيع، فإذا بهم يستمعون بمنتهى الإنصات للرجل الذى اتضح أنه البطل المصرى أيمن محمد حسن، والذى تم إسقاطه عمدا من ذاكرة الأجيال الجديدة، وآن لنا أن نذكِّرها به.
فى بداية التسعينيات كان هذا الرجل واسمه أيمن محمد حسن يقف فى خدمته فى القوات المسلحة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وفى واقعة غريبة، لا أستطيع أن أعرف إن كانت تتكرر حتى يومنا هذا أم لا، رأى جندياً إسرائيلياً يقف داخل الحدود يمسح حذاءه بعلم مصر. جن جنون أيمن وقرر أن ينتقم بأى شكل لكرامة وطنه التى أضاعها النظام باتفاقيات وتنازلات مهينة، ولستة وأربعين يوماً ظل أيمن يدرس كيف ينفذ انتقامه، وفى عملية تدرس الآن فى عدد من الكليات والأكاديميات العسكرية توغل أيمن فى الحدود الإسرائيلية منفرداً ووحيداً دون أن يعرف أحد وبصحبة أسلحة استولى عليها من وحدته وانتظر مرور عربات إسرائيلية حربية ثم بدأ الانتقام لكرامة وطنه. قتل أيمن فى وقت لم يتعد ثلث ساعة 21 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً من أسلحة مختلفة على رأسهم الجندى الوقح الذى أهان العلم المصرى، ومنهم عميد فى المخابرات الحربية (أمان) وجرح أيمن 20 آخرين بعد مهاجمته لسيارة جيب وأتوبيسين إسرائيليين. ولم يصب سوى بجرح فى رأسه ونجا بأعجوبة من مطاردة مذهلة كان ينوى الاستشهاد فى آخرها، لكن الله أراد له أن ينجو وأن يعود للحدود المصرية ليسلم نفسه ويحكم عليه فى 6 أبريل 1991 بالسجن لمدة 12 عاماً.
بعد قضاء عشر سنوات خرج أيمن من السجن. عومل معاملة السوابق. ضايقه جهاز مباحث أمن الدولة وسد أمامه أبواب الرزق.تاجر به العديد من الصحفيين والأسماء الرنانة فى الصحافة المصرية ولم يساعده أحد. وعده أحدهم بإنشاء مشروع له بالتعاون مع رجل أعمال لكن الصحفى لم يعد يرد على مكالمات أيمن فيما بعد، باع فيه الأنذال واشتروا بعد أن عرف مصادفة أن نصاباً لا يعرفه جمع له تبرعات من الجالية المصرية فى الإمارات تقدر بآلاف الدولارات، لكن بنساً واحداً من هذه الدولارات لم يصل إليه.
يعمل الآن الرجل الحر الذى لم يطق أن يهان وطنه وخاطر بحياته ودفع 12 عاماً من عمره فى السجن بصحبة القتلة والمسجلين الخطر رأساً برأس كسباك، سباك متنقل لا يجد حتى محلاً يمتلكه، ولا أحداً يدعمه، ولا إعلاماً حراً يحكى حكايته أو يسلط عليه الضوء، هذا الرجل يعمل الآن سباكا، ولا أعرف كيف سأحكى لابنى حكايته وهل سأكتفى بالجزء الذى كان بطلاً فيه أم سأكمل للجزء الذى يظهر الكثيرين فى صورة الأنذال والمتاجرين بالرجل. لسبب أو لآخر، وبثقة فى الله أولاً وأخيراً وعدته أنه لن يأتى الأول من مايو إلا وهو يعمل فى وظيفة ثابتة محترمة تكفل له دخلاً لائقاً، أو بمشروع يساهم فى دعمه رجال أعمال شرفاء يحاولون رد الجميل لهذا البطل، وأثق فى الله أنه سيجعل هذه الكلمات سبباً فى أن يتحقق الوعد الذى قطعته على نفسى، كما أثق فى أنك ستتبنى القضية لنشرها على الناس كى يعرفوا من كان بطلاً، ومن تاجر بهذا الوطن، والأهم لكى نقوم جميعاً بدورنا فى توفير وظيفة لائقة أو مشروع خاص بالبطل أيمن محمد حسن، ورقم هاتفه لدىّ لمن يهمه الأمر.
بعد رسالة محمد فتحى، ليس عندى ما أقوله، لكن لدى ولديك الكثير لكى نفعله، أو هكذا أظن
مقال لبلال فضل